بعد الانتخابات النيابية التي جرت في حزيران 2009،والتي وصفت بالأغلى ماليا،وكثافة إلى الحضور السياسي الدولي ،بالإضافة إلى مفاجآتها على صعيد النتائج،لجهة إعادة إمساك 14 آذار بالأكثرية النيابية،حتى توالت المفاجآت العكسية لنتائج هذه الانتخابات،وكانت أولاها،إلتزام الأكثرية المتجددة بإعادة إنتخاب الرئيس بري،لولاية جديدة في المجلس النيابي،متجاوزة كل الإتهامات والأوصافضد الرئيس بري بتعطيل العمل المجلسي،وتناسي كل الإعتصامات السابقة،بعدها كانت مفاجأة الإسراع أو التسرع بتكليف النائب سعد الحريري،بتشكيل الحكومة باستشارات سريعة في عطلة نهاية الأسبوع،دون تهيئة الأرضية السياسية المؤاتية،لتسهيل هذا التكليف،لا داخليا ولا خارجيا،حتى أوحت هذه الانتخابات و الاستشارات والتكليف الأسرع، أن شيئا في الكواليس قد تم تحضيره،لحل سحري في لبنان،وبتوافق خارجي إقليمي ودولي،إلا أن المفاجآت بدأت تظهر خارجيا وداخليا،وليست جميعها لصالح تشكيل الحكومة حتى ظهرت عملية التشكيل بأنها تشكل عنصرا ثانويا لا يتجاوز تأثير(بيدق سياسي)،محلي على رقعة الشطرنج السياسية الدولية ،وأن مفاوضات اللاعبين الأساسيين إقليميا ودوليا، لم تنتهي من المشاكل المتعددة الساحات والأهداف والمطالب،ولم تقترب من نهايتها المرجوة،حيث أن المفاوضات الأميركية (السورية-الإيرانية)والجارية على قدم وساق سرا وعلانية مباشرة وغير مباشرة،والتي تعالج ملفات أساسية وجوهرية تهم الأطراف الثلاثة ومن يمثلون من حركات مقاومة وغيرها.
فالإدارة الأميركية تطلب المساعدة(السورية-الإيرانية)للتخلص من المأزق العراقي والأفغاني،وكذلك لإفساح الطريق أمام إدارة أوباما لتحقيق مكاسب شكلية أو طفيفة على مستوى قضية السلام في الشرق الأوسط،لموازنة الإخفاق الداخلي،وتقليل الخسائر والإستقرارالخارجي للقوى الأميركية،الإقتصادية والعسكرية،لما للتحالف الإيراني –السوري من تأثير على الساحتين الفلسطينية واللبنانية وحركات المقاومة،بالإضافة حكما إلى الجولان السوري المحتل.
وبالتالي فإن الكماشة السورية-الإيرانية،تتحكم بالانسحاب أو البقاء الأميركي من العراق وتجعله سهلا أو صعبا،بل أن الخسائر،البشرية والسياسية ستكون مرهقة للإدارة الأميركية،وكذلك في أفغانستان حيث تثبت الوقائع،الفشل الأميركي بالإمساك بزمام الأمور ولا تمسك أميركا إلا ببعض الأدوات المحلية السياسية في لبنان كحركة 14 آذار المتفككة،والسلطة الفلسطينية في فلسطين،وحاولت تطوير أدوات الضغط المحلية في الساحة السورية من خلال المعارضة،وبعض الحركات الإسلامية وفشلت في ذلك،وعمدت أخيرا إلى إستغلال وتنمية المعارضة المخملية الإيرانية،إلا أن الرياح لم تجر كما تشتهي السفن الأميركية والغربية،مما أضطر الإدارة الأميركية إلى العمل لعدم إنهيارحلفائها في لبنان وفلسطين،ولذا تم الضغط على إسرائيل ومحمود عباس،لعقد المؤتمر المركزي لحركة فتح تحت الإحتلال وبرعاية طرق الوصول إليه،حيث تم التنازل الواقعي عن الكفاح المسلح والعمل المقاوم ضد إسرائيل،وتحويل الجمهور الفلسطيني إلى حركة استجداء سياسي،بعنوان المفاوضات ولكن بحراسة(الشاباك)للرئيس الفلسطيني عباس ورئيس حكومته فياض،وهنا تعرف نتائج المفاوضات فإذا كان حارس المفاوض الفلسطيني الشاباك الإسرائيلي...فأي حرية في القراروأي اطمئنان للمستقبل الفلسطيني الموضوع بين يدي هؤلاء المفاوضين المحروسين إسرائيليا...؟!.
وفي لبنان فإن الإدارة الأميركية تدرك أنه عاجلا أم أجلا فإن القرار السياسي والميداني في لبنان،لن يكون إلا للقوى السياسية المقاومة للمشروع الإسرائيلي-الأميركي،والمتحالفة مع محور الممانعة السوري-الإيراني،لأنه وفي ظل العجز الإسرائيلي المخابراتي والعسكري والضغط الإعلامي من خلال التهديد المتعدد المستويات فإن إبقاء حالة(اللاحكم)في لبنان أفضل بكثير من سيطرة المقاومة والقوى الوطنية الأخرى على الحكم،وتمديد فترة الفراغ الدستوري الذي يمكن أن ينتقل من الحكومة غير المؤلفة إلى المجلس النيابي بعد إنتهاء العقد العادي والذي يستوجب مرسوما جديدا لدورة استثنائية،لن تجد رئيسا للوزراء يملك الحق الدستوري للتوقيع.
ولذا فإن أبطال اللعبة السياسية الداخلية من أحزاب ومراجع سياسية سيكون دورهم محصورا،إما بالصوم السياسي لعدم قدرتهم على التأثير الإيجابي لدفع عملية التأليف،أو في فمهم ماء،لا يستطيعون قول الحقيقة،ولذا فإن دائرة الصوم السياسي يمكن أن تتوسع،بموازاة أن يتلهى البعض بالسجالات وكيل الإتهامات بالعرقلة،لإيهام الناس بأن مصاعب التأليف هي لبنانية وليست خارجية،ولكي يتلهى الإعلام بالسجالات والتحاليل ونقل الرسائل مضيعة للوقت ولملء الفراغ بينما الحركة الجوهرية هي في الخارج.
والخوف أن تلجأ بعض القوى المتحالفة مع المشروع الأميركي العربية أو المحلية،لتسخين الأجواء الأمنية مع الفلسطينين في الشمال أو صيدا،أو في بعض السجالات المذهبية،حيث بدأت الإرهاصات الأمنية بين باب التبانة وجبل محسن ...وحادثة بقاعصفرين بعد زيارة الرئيس كرامي إلى الحريري...وحادثةالإعتداء،على أمن عام المصنع...وفرار سجناء فتح الإسلام،والحذر في مخيم عين الحلوة وجواره...فماذا لو تمرد سجناء فتح الإسلام الذين يتجاوز عددهم المائتين في رومية وتضامن معهم بعض المجرمين والمحترفين وهرب إليهم السلاح أو صادروه من حراسهم...؟!.
ماذا لو عادت اشتباكات جبل محسن وباب التبانة والفتنة ترقص منذ أسبوع...
ماذا لو تم شحن الخطاب السياسي المذهبي بالدفاع عن صلاحيات الرئاسة الثانية...؟!.
ماذا لو صدرت اتهامات المحكمة الدولية لحزب الله في قضية الحريري...؟!.
ماذا لو جرت عملية اغتيال تصيب بعض الشخصيات من الفريقين....ألا تكون كفيلة بإشعال الساحة وفق ما يريد الأميركيون العاجزون عن الحسم لصالحهم...؟!.
الظاهر أن ملفات المنطقة من الملف النووي الإيراني إلى الدور السوري في المنطقة إلى العراق وفلسطين وأفغانستان إلى توريث جمال مبارك مقابل عدم تدخله خارج الإقليم المصري،وكذلك قبول السعوديين بدور متواضع مقابل الحفاظ على الأسرة المالكة من التفكك،حيث أن اشتباكات اليمن،لن تصيب شظاياها الوحدة اليمنية الهشة،بل أنها ستصيب الجوار السعودي.
لذ فإن التحالف الإيراني-السوري سيبقى صامدا في لعبة عض الأصابع لحل هذه الملفات وبانتظار لقاء القمة الأميركي-السوري ستبقى الأمور معلقة تخضع للمد والجزر وما على اللبنانيين إلا متابعة المسلسلات الرمضانية ليلا،والصوم نهارا،حتى يأتي الترياق من ساحة العراق بتوافق أميركي-سوري-إيراني،وعندها تبدأ عملية التأليف خارجيا أو قبول بقايا 14 آذار مكرهة بالواقع الجديد،كأقلية جديدة،وتشكل الحكومة دون تعنت أو مكابرة...